يا لك من محظوظة!! شهقت كل بنات العائلة شهقة الحسد فطرحتني مريضة. ارتفعت حرارتي، وأمتلأ جسدي بالألم والتوجع. كل ذلك حدث بعد خطبتي مباشرة. أسرعت أمي بإحضار ماء زمزم ثم قرأت عليه المعوذات، ونفثت فيه نفثاً خفيفاً وصبته عليَّ بشكل مفاجئ، فانتفضت كالملسوعة ثم هدأت حالتي وتحسنت صحتي بعد أيام قليلة.
كنت قد أنهيت الثانوية لتوي، وتقدم لخطبتي شاب غني ووسيم. أنا فتاة عادية، لست جميلة ذلك الجمال الساحر الجذاب، ولا أملك أية مقومات تجذب مثل هذا الشاب لخطبتي، ولهذا استغرب الجميع الأمر، لكن والدي فسر هذا الوضع قائلاً: إنه مفتاح الفرج، سبب من الأسباب التي سخرها الله لنا، فهذه البنت محظوظة، وهي ستكون السبب في تغيير أوضاع العائلة.
بدأت الاستعدادات للزواج. كنا مذهولين لنوعية وكمية الهدايا التي أحضرها أهل ''المعرس''، أما المفاجأة الكبرى فعندما قدروا المهر بمئتي ألف درهم. وتعهدوا بالتجهيز الكامل لجميع احتياجاتي، هذا يعني بأن المئتي ألف درهم ستبقى تحت تصرفنا بشكل كامل.
أعطيت المهر لوالدي وقلت له: خذها يا أبي، وأجر بعض التعديلات على بيتنا، اصبغه، رممه، سد الشقوق والفطور في الحوائط، وغير الباب الرئيسي الذي يعلوه الصدأ منذ سنين، ثم اشتر أثاثاً جديداً يليق باستقبال أهل خطيبي، وإذا بقي شيء من المال فادفعه مقدم سيارة جديدة لك.
جرت التعديلات على قدم وساق في البيت، وبقدرة قادر، تحولت من فتاة بسيطة لا أحد يكترث لها إلى أميرة حقيقية، آمر وأنهي والكل يسمع ويطيع وينفذ كل ما أطلبه بسرعة، و يا له من شعور جميل لا يمكنني وصفه.
اقترب موعد العرس، وأنا أمضي وقتي بين أشهر مصممي الأزياء، وأرقى الصالونات التجميلية والنوادي المتخصصة في معالجة البشرة. في كل يوم تأتيني سيارة فخمة تنقلني إلى تلك المواعيد التي حددتها أم خطيبي. دخلت عالماً غريباً عجيباً لم أفكر يوماً بدخوله، وشاهدت نوعية من الناس، لم أكن أتخيل وجودها في هذا العالم، فعالمي كان صغيراً محدوداً، وخيالي لم يكن أبداً بهذا الاتساع.
منحت أمي مبلغاً كبيراً من المال وطلبت منها أن تفصل لها ولأخوتي ثياباً تليق بعرسي. وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلتها تلك المسكينة إلا أنني لاحظت بأن أمي وأخوتي وصديقاتي وقريباتي كلهن ظهرن بمستوى بسيط جداً في الحفلة قياساً بما ظهرت عليه السيدات والبنات في عائلة زوجي. لا مجال للمقارنة أبداً، لا يهم. المهم أن العرس فخم وجميل، وقد ظهرت وكأنني لست أنا. بدوت أجمل بكثير مما أنا عليه، وكأنهم قد رسموا لي ملامح جديدة غيرتني بالكامل، حتى إن أهلي لم يتعرفوا علي، وتساءلوا فيما بينهم، هل استبدلوها في آخر لحظة؟
اكتمال الحلم
انتهت حفلة العرس وكأنها حلم جميل وقصة من قصص ألف ليلة وليلة، كان صدري يمتلئ بالمشاعر الجياشة، وخطر في بالي أنني ربما لن أعجب زوجي عندما يشاهدني وجهاً لوجه وبلا مساحيق، فهو أبدى إعجابه بي عندما شاهدني بكامل زينتي على الكوشة، ولكن خوفي كله ذهب لأنه استمر في إسماعي أجمل الكلمات وأرقها وكأنه قد اختارني عن حب وقناعة كاملة، حمدت ربي على هذه النعمة وتمنيت أن تستمر إلى آخر الدهر.
سافرنا في رحلة شهر العسل إلى إحدى دول أوروبا وقد اختار تلك الدولة لأنه يملك بيتاً فيها وهو يعتبرها وطنه الثاني، حيث يقضي فيها معظم شهور السنة.
كان يحدثني عن حياته الماضية ومغامراته العاطفية المتعددة، فكنت أشعر بالخوف والكآبة. أتساءل بيني وبين نفسي: ترى لماذا لم يتزوج أية واحدة ممن أحبهن وأحببنه؟
أقنعت نفسي بأن معظم الشباب لا يتزوجون الفتاة التي ترضى بأن تقيم معهم علاقة عاطفية قبل الزواج، هذا ما سمعته من البنات في المدرسة، ثم تساءلت مرة أخرى: من سيضمن لي انه لن يعاود العبث من جديد؟ وأقنعت نفسي بأن من يقيم العلاقات قبل الزواج ويمل منها لا يكررها بعد الزواج، كنت أقنع نفسي بتلك المبررات فأطوي الخوف وأقول بداخلي بأن كل شيء مقدر ومكتوب.
عندما حان موعد عودتنا سمح لي بشراء هدايا كثيرة لأهلي وصديقاتي، وكان سخياً معي لأبعد الحدود.
قمت بزيارة أهلي بعد عودتنا، فبدوت وكأنني ملكة متوجة على عرش الدلال والسعادة، حتى صارت أمي ترقيني خوفاً علي من العين والحسد، وطلبت من إخوتي عدم إخبار الناس بأية تفاصيل عن حياة أختهم ومدى سعادتها.
تساؤلات حائرة
كل شيء كان كالحلم الجميل في حياتي، القصر الذي أعيش فيه، الخدم والحشم، علاقتي بأهل زوجي، معاملة زوجي لي، كل شيء كان رائعاً، ولكن شيئاً من الخوف دخل أعماقي بسبب تساؤلات أمي وأبي الكثيرة، القلقة، هل كل شيء بخير؟ هل يعاملك زوجك معاملة حسنة؟ وأهله، هل يحترمونك؟ هل ظهر عليهم أي شيء يدعو للقلق؟ كنت مستغربة لأسئلتهم، كأنهم يبحثون عن عيب أو تقصير ليقنعوا أنفسهم بأن هذه الزيجة ما هي إلا نتيجة لسبب معين، ولكن ما كان يحدث لا يتناسب مع تلك الأفكار والوساوس، فكل شيء كان يسير على أفضل حال، الشيء الوحيد الذي لفت انتباهي هو بعض الاعتلال في صحة زوجي، وتردده الدائم على الطبيب، سألته عما به فأخبرني بأنه شيء غير مقلق.
أما الشيء الثاني الذي أثار استغرابي فهو إصرار زوجي على عدم إنجاب الأطفال في السنين الأولى من الزواج، وقد كان تفسيره للأمر هو أنني لازلت صغيرة ولست مؤهلة لتربية الطفل، كما أنه خائف من حدوث خلافات أو مشاكل تعيق استمرار الزواج، إنها مجرد هواجس غير مبررة، فأنا مستعدة للحمل وللعناية بطفلي، كما أنه لا مجال لحدوث المشاكل مع كل هذا الاهتمام والطيبة والكرم من زوجي وأهله.
شيء آخر كنت استغرب له، وهو أن زوجي ليست لديه أفكار واضحة عن الدين، فهو لا يصلي ولا يعرف كيف يصلي، وكان ينظر إلي بإعجاب شديد ومراقبة دقيقة عندما أصلي وأقرأ القرآن. كان يبتسم لي ويشجعني على الاستمرار، كنت أسأله عن سبب عدم التزامه، فيقول بأنه قد درس في مدارس أجنبية، وعاش معظم سنين عمره في الخارج، ولم يحرص أهله على تعليمه مثل هذه الأمور، فسألته إن كان يريد أن يتعلم مني، فرحب بالفكرة، فصرت أعلمه بالتدريج الوضوء والصلاة، وصرت أحدثه عن كل ما درسته وعايشته في أسرتي من أمور الدين. وقد وجدت نفسي أعرف أشياء كثيرة زادتني اعتزازاً بنفسي، وكان هو متلهفا لتعلم كل شيء، وهو حريص على أن يطبق كل ما يتعلمه بإخلاص شديد، وكم مرة فوجئت به وهو يصلي بخشوع ودموعه تنهمر على خديه، فكنت استغرب لكل ذلك، ولا أجد تفسيراً واضحاً لما يحدث.
الفكرة العقيمة
بعد مضي سنة على زواجي، بدأت فكرة الإنجاب تلح علي بإيحاء شديد من والدتي، فهي تعتقد بأن مجيء الأطفال كفيل بتثبيت الزواج.
ولكن زوجي ظل مصراً على موقفه، ففعلت ما أمرتني به والدتي بأن أصارح عمتي برفض ولدها غير المبرر لمجيء الأطفال، فصدمتني هي الأخرى بموقفها، فهي تؤيد ولدها بتلك الفكرة الغريبة، فتعزز لدي الخوف من المستقبل، فهل يعقل بأن هذه الأم لا تريد أحفاداً من ولدها؟ إنهم أغنياء وليس لديهم سبب واحد مقنع يفسر عدم رغبتهم بمجيء الأطفال، وقد بدأت الوساوس تراودني، فهل يعتقدون بأنني لا أليق بإنجاب حفيد للعائلة؟ ولكن لماذا اختاروني أساساً إن كنت غير مؤهلة لمثل هذا الأمر؟ شيء محير لم أجد له تفسيراً وعندما اطلعت أمي على رأي عمتي فوجئت مثلي ولكنها أخبرتني بأن أجرب إهمال ابتلاع حبوب منع الحمل فأضعهم بذلك أمام الأمر الواقع، وأكدت لي بأن زوجي لم يجرب لذة وجود طفل، وحين سيجربها سيشكرني لأنني لم استمع لنصيحته.
بقيت الفكرة معلقة برأسي، وقد قررت تنفيذها مهما كان الثمن، ولكن حدوث اعتلال شديد لصحة زوجي جعلني أؤجل التنفيذ وأتفرغ للاهتمام به ورعايته فلربما سيسهم موقفي معه بتثبيت فكرة الحمل فيدرك بأني مؤهلة للعناية بالأطفال.
ساءت حالة زوجي يوماً بعد يوم، وصرت أتساءل عن مرضه ولا أحد يجيبني، ثم قرر زوجي الذهاب لأداء العمرة، كيف يفعل ذلك وهو مريض؟ لماذا لا ينتظر حتى تستقر حالته الصحية؟ لا أحد يجيبني، المهم إني تعودت عدم إثارة المشاكل والطاعة في كل ما يطلبونه مني.
ذهبنا لأداء العمرة، وكان زوجي في حالة بكاء دائم، وقد أدى المناسك على الكرسي المتحرك وقبل عودتنا بيوم واحد، بكى أمامي بكاءً مراً وطلب مني مسامحته، فسألته مستغربة: أسامحك على أي شيء؟ أنت لم تخطئ بحقي أبداً؟ لم يجبني وغرق في بكائه ونحيبه.
بعد عودتنا من العمرة بأيام قلائل انتقل زوجي إلى رحمة الله، وقد أصبت بصدمة كبيرة، ولولا إيماني لتعرضت لانهيار عصبي، ولكني تماسكت بفضل الله وعونه، فلم يكن سهلاً أن أفقده بعد أن أحببته وتعلقت به لهذه الدرجة.
بعد العزاء وانقضاء العدة جاءتني أمه لتخبرني بأنني بحاجة لإجراء بعض التحاليل الطبية، سألتها: لماذا: فأنا لا أشكو من شيء؟ قالت: للاحتياط فقط، فأطعتها وذهبت معها لإجراء تلك التحليلات.
حدثت الكارثة الحقيقية بعد ظهور النتائج، فقد أخبروني بأنني مصابة بالإيدز الذي نقله لي زوجي.
هذا يفسر كل شيء، فقد اختاروني من بين كل الفتيات الجميلات وبنات العائلات الثرية، اختاروني أنا الفقيرة لتسلية ولدهم المحكوم عليه بالموت كي لا يقضي أيامه الأخيرة وحيداً، ولم يفكروا بي ولم يكترثوا لكونهم يحكمون عليَّ بالموت بلا أي ذنب، يالهم من بشر!!.
تحولت إلى إنسانة متوحشة، صرخت في وجوههم، واجهتهم بجريمتهم البشعة في حقي، فما كان من عمتي إلا أن أعطتني المزيد من المال والضمانات لي ولأهلي، فسكت، نعم سكت عندما فكرت بأهلي، فهم يستحقون التضحية، لن أخبرهم بالحقيقة، فلا فائدة من ذلك، وسأصبر حتى يأتيني الموت، لأنه مصيري الذي كان ثمناً لذلك الذي حسدني عليه الناس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق