تعودبداية علم الفلك إلى بداية تكوّن الوعي البشري، حيث كانت الظواهرالكونية -من تعاقب الليل والنهار وحركة الشمس والقمر والنجوموالكواكب، والتغيرات التي تطرأ عليها من كسوف وخسوف والمظاهرالتي ترافقها من تعاقب الفصول وتغير المناخ- قد شغلت الإنسانالأول في كل بقاع الأرض التي سكنها، فبالإضافة إلى أنها أثارتالرغبة لديه في كشف النقاب عنها وفهمها، أيضاً قد كانت تعاقباتهاوتغيراتها تلك مؤثرة في كيفية حياته القائمة على الزراعة والصيدوالرعي، لذلك بدأ الإنسان يُـراكم معارفه وأرصاده في سبيل بناءعلم فلك عقلاني يتيح له فهم الكون ويمكّـنه من السيطرة والتكيفمع الظروف المحيطة به ليضمن استمراره في الحياة، وقد استغرق ذلك،أي تبلور علم عقلاني منهجي يدرس الكون ويفسّر ظواهر آلافاً منالسنين تراكمت خلالها أرصاد ومعارف وخبرات لدى مختلف الحضاراتالبشرية، وكان للعرب دور هام في هذا المجال.
اهتم العربالقدماء بالسماء، حيث كان لزام عليهم معرفة النجوم والكواكبليهتدوا بها أثناء مسيرهم ليلاً الذي فرضته عليهم بيئتهمالصحراوية الحارة والخالية غالباً من علامات يُهتدى بها، هذابالإضافة إلى طبيعة حياتهم القائمة على الارتحال والتنقل الدائم،ونجد في التراث العربي الكثير من المقولات والأشعار التي تشيربوضوح إلى استدلالهم بالنجوم، كقول سلامة بن جندل مشيراً إلىسيرهم اهتداءً بالكواكب:
﴿ونحنُ نعشو لكم تحت المصابيح﴾
أو قول ذيالرمة:
تياسرن عن جدي الفراقد في السرى = ويامنّ شيئاً عنيمين المغاورِ
وكذلك قول عبد الله بن قتيبة الدينوريموضحاً كيفية الاهتداء بالنجوم:
﴿اعرف البلد الذي تؤمه، وفي أي أفق، فإنكان في ناحية المشرق كخراسان وما صاقبها: استقبلت منازل الشمسوالقمر، إن كان سيرك ليلاً والسماء صاحية، وجعلت الجدي -أي القطبوبنات نعش- على يسارك، والشعريين وسهيلاً على يمينك. وإن كان فيناحية المغرب استدبرت منازل القمر وجعلت الجدي وبنات نعش علىيمينك والشعريين وسهيلاً على يسارك. وإن كان في ناحية اليمن: جعلت منازل القمر على يسارك وجعلت الجدي وبنات نعش وراءك وسهيلاًأمامك. وإن كان في ناحية الشام جعلت منازل القمر على يمينك وجعلتالجدي وبنات نعش أمامك وسهيلاً وراءك. ﴾
وقدشغلت ظواهر السماء ومتغيراتها (من حركات الكواكب والنجومومواضعها إلى كسوف وخسوف الشمس والقمر وتعاقب الفصول وطولهاواختلاف مواضع شروق الشمس وغروبها وغير ذلك) اهتمامهم حيث ربطواهذه المتغيرات بحياتهم ومستقبلهم، ذلك أنه لم يكن لديهم آنذاك،شأنهم شأن غيرهم من الحضارات القديمة، تصوّر صحيح للكون ولا فهملماهية وحقيقة ما يشاهدون في السماء، لذلك لم يكن هناك فصل بينعلم الفلك –الذي نعرّفه اليوم بأنه فرع علمي يختص بدراسة الكون- وبين التنجيم الذي يدّعي التنبؤ بالغيب استناداً إلى تحركاتأجرام السماء دون اعتماد المنهج العلمي.
كلمة فلك لدىالعرب تعني "مدار النجم"، وقد كان يطلق على هذا العلم عندهم: "علم/صناعة الهيئة" أو "علم/صناعة النجوم" أو "صناعة التنجيم"،و"الفلكي" أو "المنجم" هو المشتغل بهذا المجال ومعناه في لسانالعرب: "من يظفر في النجوم ويحسب مواقيتها وسيرها"، ويؤكد هذاقول للمسعودي (توفي 957 م):
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق